ما زالت نسبة البطالة لدينا مرتفعة رغم كل محاولات وزارة الموارد البشرية لحلها، وبنظرة سريعة إلى حلول الوزارة نجد أنها أسهمت بشكل محدود في حل المشكلة عبر مبادراتها الكثيرة مع القطاع الخاص وتحديد نسب سعودة وغيره، لكن تظل كل هذه المبادرات ذات طابع تقليدي في حل البطالة خصوصاً أننا أصبحنا في عالم واقتصاد يتغير بشكل غير مسبوق فلا يمكن بالحلول الحالية على قطاعات مثل الصيانة والتشغيل والمقاولات وغيرها أن ترفع نسب السعودة كـحل سحري ولا يمكن لتوطين قطاع معين أن يعالج تشوهات سوق العمل، تشكر وزارة الموارد البشرية على مبادراتها لكن من وجهة نظري يجب أن يتم تقييم مدى نفع القرارات الصادرة ومدى تطبيقها من قبل المعنيين وما هي الفائدة التي انعكست على القطاع الخاص . نعم نحن مع رفع نسب السعودة لكن إلى حد معين أعلى بكثير ذات دقة عالية .
ففي القطاع الخاص يتوفر العديد من الفرص والحلول التي تساهم برفع نسب السعودة وبما يتوافق مع مخرجات التعليم والتي أنفقت دولتنا الرشيدة عليها، وفي هذا السياق يأتينا تساؤل مهم جدا، إذا كان هدفنا هو الاستفادة من شبابنا وشاباتنا وتوظيف قدراتهم وإمكاناتهم و مخرجات تعليمهم لإيجاد اقتصاد قوي ومنافس هل الضغط ببرامج السعودة في قطاعات مثل التي تعمل عليها الوزارة صحيح وسليم؟ أعتقد أن الإجابة لا، وقد لا تلام الوزارة وحدها في ذلك، أعتقد أنه يجب وضع خطة وطنية كبيرة تشمل تعديل وتحسين منظومة العمل وتهدف إلى رفع الاقتصاد عبر تقوية العنصر البشري ورفع قدراته وتوفير شباب وشابات لديهم الإمكانات للعمل في الاقتصاد الجديد الذي يعتمد على ما يسمى الثورة الاقتصادية الرابعة التي لا أعتقد (حسب معلوماتي) أنها من ضمن خطط وزارة الموارد البشرية أو قطاعات مرتبطة بسوق العمل.
إن إيجاد هذه المنظومة أو البيئة يستدعي النظر في:
1 – التعليم: من منطلق إعادة تصميم المناهج لتتوافق مع متطلبات المستقبل واتجاهات الثورة الصناعية الرابعة، حيث تحظى بكثير من الاهتمام والتركيز.
2 – الدعم: وهو ما بعد تأهيل الشباب والشابات تعليميا ليوفر لهم الدعم الكافي كي ينطلقوا في عدة مسارات إما وظيفية أو ريادية وأعمال خاصة، وهذا الدعم يشمل مراكز التوظيف والتمويل للمشاريع أو إعداد برامج تدريب على رأس العمل في القطاع الخاص.
3 – التسويق: إيجاد نظام وآلية لتسويق الخريجين الجدد الذين تم تأهيلهم بما يتوافق مع متطلبات التغيرات في الاقتصاد والثورة الصناعية الرابعة، رغم اعتقادي أنهم لن يحتاجوا إلى تسويق إذا كانوا فعلا متأهلين جيدا.
4 – البيئة التشريعية والقانونية: من المهم تحسين البيئة القانونية والتشريعية لتكون أكثر قدرة على إيجاد الإبداع ورفع الكفاءة بين جميع الأطراف سواء من ناحية تسهيل الأعمال الحرة أو إجراءات تسجيل الشركات أو التوظيف.
هذه أمثلة بسيطة لما قد تحتاج إليه منظومة العمل وهي كافية لإيجاد المرونة والكفاءة في السوق لجميع الأطراف “الباحثين عن عمل، أصحاب العمل، الشركات، الممولين، المستثمرين، وأصحاب العمل الحر”.كما ذكرت سابقا يجب أن نفكر بشكل مبتكر وجذري لحل مشكلات سوق العمل وخصوصاً أمام متغيرات اقتصادية عالمية ومحلية، العالم اليوم يتجه إلى الثورة الاقتصادية الرابعة وإلى اقتصاد المعرفة، يكفي أن نرى كيف تسهم البرمجيات على سبيل المثال في اقتصاد أمريكا، حيث أنها (حسب تقارير متخصصة) توظف اليوم أكثر من 2.9 مليون شخص بشكل مباشر و10.5 مليون بشكل غير مباشر، وأسهمت بما يقارب 1.4 تريليون دولار في الناتج المحلى الأمريكي، وزيادة على ذلك فلقد أثرت في 50 ولاية أمريكية وأسهمت في نمو اقتصاداتها، على سبيل المثال أسهم وادي السيليكون في رفع قيمة إسهام ولاية كاليفورنيا في الناتج المحلى إلى 124.7 مليار دولار، بينما كان نصيب نيويورك ذات الصيت العريق 49 مليارا فقط.
طبعا هذا يدل على حجم هذا القطاع وأهميته في إعادة تشكيل الاقتصاد من الصناعة التقليدية إلى التقنية والبرمجيات، هذا ما نطمح إلى أن يكون تركيز السياسات الإنمائية والتعليم والتطوير نحو هذا النوع من الاقتصاد بدلاً عن الركض في ضغط وتعديل قطاعات تهالكت أو ستتهالك مستقبلا بسبب التغيرات الاقتصادية الحتمية.
ختاما، نستطيع أن نشاهد بوضوح حجم التغير في المستقبل في سوق العمل، وكيف أننا ما زلنا متأخرين بسياساتنا التقليدية القديمة، على سبيل المثال إذا حاولت البحث اليوم عن مبرمج ليعمل على تطبيق في جوال ستعلم حجم الطلب وقلة العرض وكيف أننا بدل أن نوجه الشباب نحو التخصص في البرمجة “وغيرها من التخصصات المطلوبة بشدة اليوم” نركز على سعودة قطاعات متهالكة وضعيفة. لماذا لا يوجد لدينا اهتمام بمخرجات التعليم التي أنفقت دولتنا عليها و التي تتوافق مع الوظائف المتوفرة لدينا؟ وليكونوا دعما لكل خطط المملكة لتحقيق تطلعات رؤية 2030.