قبل عدة سنوات أطلقت مبادرة تستهدف العاملين بالمجال التطوعي وهي خدمة ضمن مجموعة خدمات يقدمها برنامج المجتمع التطوعي هذه الخدمة تقدم التوجيه والإرشاد للمتطوعين بمختلف مستوياتهم القيادية سواء كانوا ضمن فرق تطوعية أو منظمات غير ربحية.
ومن خلال التجربة مع هذه الخدمة التي اجتهد فيها للإجابة على ما يصلني من استفسارات ضمن إطار خبرتي وممارساتي التطوعية التي استمرت لعشر سنوات تقريباً، ومن بين ما كان يصلني أمر يشكل معضلة لدى قادة المجموعات التطوعية، ظننت في بداية الأمر أنها ممارسات شاذة، حتى أصبحت ظاهرة واستشارة معتادة تصلني بين الفنية والأخرى.
لعلي أطلت عليك عزيزي القارئ في تعريفك بالمعضلة، ولكن عليك التروي لتفهم معي القضية، واسمح لي أن أخذك في رحلة عبر الزمن القريب لتفهم أكثر قضيتي العميقة التي أزعم انها تشكل تحدي كبير أمام ممارسي قيادة مجموعات العمل التطوعية ومصممي المبادرات المجتمعية.
في فترة سابقة ليست بالبعيدة كان العمل التطوعي أمراً غير معروف لدينا حتى بدأت تعود للوطن بعض الدفعات الدراسية التي ابتعثتها الدولة، حيث نقل لنا بعض الطلاب المبتعثين فكرة المجموعات التطوعية والمبادرات بشكل لم نعهده في السعودية، ولكن كان هذا الحراك في المجال للتو بدأ، وتأثيره ضعيف جداً حتى جاءت سيول جدة الشهيرة والتي ظهر فيها التطوع بمفهومه الإنساني الذي ينشط في الأزمات.
بعدها جاءت سيول الرياض والتي أكدت الحاجة للتطوع وخدمات المتطوعين في تحقيق أهداف تنموية تتمثل في أعمال إغاثية ورعوية، وأصبح حينها موضوع التطوع رائجاً بين الشباب وبدأت تظهر كثير من المجموعات التطوعية والتي جعلت صاحب القرار في وقتها يتحرك نحو هذه الظاهرة الإنسانية لتنظيمها ومأسستها والحفاظ عليها وحمايتها، وكان من الحكمة في حينها ولظروف المرحلة أن تُدرج تلك المجموعات التطوعية تحت مظلة كيانات الجمعيات الأهلية حتى تشرف عليها وتتابع إنجازاتها وأعمالها.
لا اخفيكم أنها فكرة جيدة في وقتها حيث ساهمت في جعل الجمعيات الأهلية أكثر مشاركة وانفتاح على المجتمع وأصبحنا نرى كيانات أهلية تم تأسيسها لتخدم المجال التطوعي في مجالات ومستويات متعددة ومختلفة ويوم بعد يوم الفكرة تحقق نجاح مرحلي حتى جاء الوقت الذي أصبح ثقافة التطوع المؤسسي أمر شائع ولا يشكل أي مخاوف فالعمل تم تنظيمه وفق احتياج مرحلي وينبغي أن ننتقل بالتطوع إلى مستوى أعلى حتى نستمر بالتقدم.
الآن اتضحت لك الفكرة لما أرمي إليه...؟
إن استمرار المجموعات التطوعية وخاصة المحترفة منها والتي أكملت عام من تأسيسها وأصبح لديها نشاط مجتمعي وسجل مبادرات حافل تحت مظلة رسمية أمر يعوق نموها ويحد من انتاجية فريق العمل والتي ستؤثر على توليد الفرص التطوعية والابتكار في تصميم المبادرات, كما أنه حريّ بها أن تُرخص وتستقل وفق نظام اقترحه باسم (المنظمات التطوعية متناهية الصغر) تسمح لهذه المجموعة بأن تمارس أعمالها باستقلالية ضمن إطار منصة التطوع الوطنية ويكون للفريق سجل وطني يوثق الأعمال والساعات بشكل ذاتي ومستقل بعيد عن بيروقراطية الجمعيات الأهلية التي باتت منفرة للشباب وغير عادلة بالغالب في إعطاء المتطوعين حقوقهم من ساعات تطوعية ووثائق تثبت تطوعهم وضعفهم كذلك في هندسة الفرص التطوعية وتوليدها, ناهيكم عن انتشار الممارسات التي تسببت في تسرب كثير من المتطوعين من الميدان وذلك لضعف خبراتهم وقدراتهم المهنية في احتواء الشباب وتوفير لهم بيئة تنموية محفزة تنعكس عليهم وعلى مجتمعهم ووطنهم بشكل إيجابي.
كتبه: رائد محمد المالكي – مدير مشاريع تنموية معتمد
تويتر: @raed_arn