عنوان المقال هو مقولة للفيلسوف هنري ثورو .. وهو يعبر بحق عن مكنونات النفس البشرية و يكشف أغوارها ..
وسأشارككم قصة قصيرة حدثت معي في مقهى أملكه و أعمل كمقدمة مشروبات بداخله .. ولا أخفيكم أنني في حالة تأمل دائم لكل رواده .. وصادف في عدد من المرات أن يكون هناك عميل يتردد بين فترة وأُخرى على المقهى .. ويرتدي ثوباً مجعداً و عمامة مجعدة أيضاً وكأنه استخرجها للتو من كومة من الثياب ويترك أزرار ثوبه العلوية مفتوحة ويظهر عليه بأن لحيته تفتقر للاهتمام والرعاية ..
ويصطحب معه كمية من الصحف الورقية التي أظن بأنها قديمة جداً وينغمس في تصفحها ..
وفي أحد المرات .. صادف هذا العميل مجموعة عملاء آخرين لايتحدثون العربية إطلاقاً ..وكان يستمع إليهم فشاركهم الحديث من طاولته بنفس لغتهم .. إلى درجة أن أحدهم نهض من مكانه وانضم إلى عميلنا رفيق الصحف الورقية وبدأ بتبادل الحديث معه بلغته وضحكا كثيراً .. ثم ودعه و رحل ..
لقد كنت في حالة ذهول من طلاقة لسانه مع هؤلاء .. وكان الاستغراب يتملكني فتقدمت إليه وسألته .. من أين لك ياعم إتقان ذلك ؟ فبدأ يحدثني عن خبرته في الحياة ورحلاته التي تكاد تكون شملت بقاع الدنيا...و استفاض.
فأوقفته متساءلة .. طالما أنك تملك كل ذلك ؟ ألا تعلم أن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ؟ وهل تعلم أن الصورة التي كونتها عنك في ذهني ..هو أنك رجل كهل وحيد ورفيقتك هي الصحف الورقية فقط ؟
فضحك كثيراً وقال ألا تعلمي بقصة الرجل الذي كان مهندماُ ويمشي بغطرسة عند دخوله على سقراط أمام تلاميذه فقال له سقراط : تكلم حتى أراك !
أنا عكس هذا الرجل .. ثم ابتسم و خرج ..
وفي السياق نفسه تذكرت مقولة لعلي بن أبي طالب كرَم الله وجهه ( الرجال صناديق مغلقة مفاتيحها الكلام )
ومن وجهة نظري وامتداداً لعنوان المقال فإن حتى الأشياء التي ننظر إليها غالباً نجهل كواليسها والتي قد تكون شملت الكثير من التضحيات و الجهد و الخسائر والدموع و الانهيارات حتى تظهر لنا بتلك الصور المبهرة ..
ختام المقال .. إن كنت تعلمت شيئاً من هذا الموقف فهو أن أبذل جهدي في رؤية ما وراء الأشخاص و الأشياء أكثر من أن أنظر إليها فقط ..
مها قطنان