رجــــــــل استثنائي
الساعة السابعة صباحا بتوقيت مدينتي الصغيرة والمكتظة بالمصطافين ..
بداية يوم جديد لامرأة تجاوزت الخامسة والثلاثين .. يسكنها طفلة صغيرة تجيد الغناء للعصافير واقتناء الحلوى
صوت عصافير الصباح رسالة حب لكل البائسين ..
في الطابق السفلي ضجيج رنين الهاتف يملأ المكان .. لهفة تلقي الخبر تسبق خطواتي ..
آلو .. نعم من معي ..
كان بمخيلتي : ( اتصال من احدى مكاتب الترشيح للوظائف ) ..
انها جارة أمي زوجة بائع الأقمشة .. توقف تسارع نبض قلبي واغمضت عيناي كإمتصاص لضياع
لهفة الخبر .. برود اجتاح وجنتاي ..
اهلا بك .. تفضلي ؟؟؟؟
اليوم هو السابع من أيام الاسبوع الجمعة هو يوم اجتماع العائلة .. الجميع تواجدوا من الواحدة ظهرا وبدأ الحديث
أخي الاكبر يخبرنا بإنجازاته في عمله والآخر يتحدث عن ابنه القادم ومدى فرحته لاستقباله والاخرى
تودعنا رغبة في السفر مع زوجها لقضاء العطلة والاستجمام ...
وبعد الانتهاء من حديثهم يبدأ سؤالهم المعتاد توجيهه إلي في كل اجتماع .. كيف تجري الامور لديك ؟؟؟؟
واكتفي بأنا بخير كتحمل لمسئولية ذاتي ..
أنهكتني الحياه بما يكفي لأن لا اكون على قيدها ..
كهروب من نظرة شفقه او سؤال يعبث بقلبي صعدت الى غرفتي ..
في كل زاوية يوجد انجاز على قيد التنفيذ .. حصيلة اجتهاد وجد مجلد يحوي اوراق شكر وتقدير
ومؤهلات عبث بها غبار الرف ..
أعي تماما بإمكانياتي واحمل كاريزما تتماشى مع كل ظرف .. ولكن لم تأذن لي الحياة بالانطلاق بعد ..
اشرقت شمس الثامن من أبريل للسنة التاسعة عشر بعد الألفين بشروق مختلف .. لم يكن تسلل اشعتها
لنافذتي بالدفء المعتاد بل تخلله نسيم عليل .. كان كضماد جرح وكرسالة استبشار وأمل ..
يستحيل على كل عقل ان يصف شعور البهجة في ذلك الصباح ..
حملت هاتفي ابحث في صفحات الاعلانات الاولى للوظائف كالمعتاد , وتوقفت لقراءة اعلان لوظائف
هندسية وفي اسفل الصفحة ذكر رقم التواصل ..
ذهبت باتجاه النافذة وتنفست بعمق أملا بأن أجد مااريد واجريت الاتصال ..
كان سؤالي المعتاد .. هل يوجد فرصة وظيفية ؟؟؟
تمام السؤال لديه بداية تفاؤل لدي ولم اشعر بذات الشعور فيما قبل ..
خلقت هذه الروح جبراٌ
خلقت هذه الروح عونا ُ
خلقت هذه الروح رحمة ورفقاٌ
( عبدالعزيز ).. أحد ملاك مكاتب الاستشارات الهندسيه وذو باع طويل بالتجاره ..
أمان عظيم في ثنايا حروفه ..
ان شاء ربي سيكون لك فرصة وظيفيه .. ( تلك هي اجابته لسؤالي )
اغلقت الهاتف واجهشت بالبكاء ..
لم تكن تعلم ايها الاستثنائي بأنك قد صنعت حياه ..
امتنان عظيم احمله بقلبي لشخصه الكريم لتجديده الامل بداخلي ..
غربت شمس ذلك اليوم وغرب معه اليأس .. وبعد مرور ايام قلائل عاودت الاتصال للسؤال عن الوظيفة المرتقبة ؟
وكانت المفاجأة ..
نعم تم قبولك للعمل معنا ..
لم تكن عباراتي تسعفني لأن اشكره والتزمت الصمت من شدة البكاء ..
أيها الرجل العظيم .. لم أكن أحمل مؤهلات تتوافق مع مجالكم الهندسي لشغل الوظيفة ولكنك كنت كريما
وسخياٌ بقبولك لي ونيلي شرف العمل معك .. لم يكن دافع قبولي سوى نبل اخلاقك ايها الكريم ..
أخبرني بأنه سوف يعاود الاتصال ليخبرني عن طبيعة العمل , شكرته كثيرا كأقصى شيء استطيع فعله وانطلقت
الى امي لأخبرها بقبولي ..
دموع امي لم تكن فرحا بقدر ما كانت حمدا لجبر انكساري ...
( عبدالعزيز ) دعوة من امي في ساعة اجابة..
وفي الرابع من مايو من ذات العام تلقيت اتصالا من مقر القبول الوظيفي ليخبرونني بأن العمل يتطلب جهازا محمولا كي استطيع التواصل ..
لم يكن باستطاعتي ان ادخر ربع ثمنه , فكيف لي باقتنائه.. واخبرتهم في اللحظة بأنني لا استطيع ..
في الساعة ذاتها تم توفير جهازا محمولا من قبل النبيل قولا وفعلا .. وسيقومون بتوصيله الى مدينتي ..
أي قلب تحمل انت ؟؟
هنيئا لجسدك حمله تلك الروح ..
حفظك الله أينما حللت ..
احتواء عظيم ناله قلبي بكرم فعلك ..
ورحمة الله تجلت بوجودك ..
شعور يتيم وجد أبويه هو شعوري في تلك الآونة ..
أصبح على عاتقي أمانة عظيمة بأن ابذل قصارى جهدي لرد جميل هذا العظيم ...
وابتدأت مسيرتي تحت ظل قائد سخيَ أحمل له الخير كما يحمله لي .. وفي كل خطوة أخطوها انال شرف التوجيه
بكل رحابة صدر ..
كان معيناٌ لي رغم انشغاله حتى تمكنت من انجاز عملي بكل جد واجتهاد
الآن وبعد مرور عام ..
أيٌ شكر تستحق ؟
أيٌ تقدير يجب أن تحظى به ؟
عبدالعزبز أيها الاستثنائي لك مني امتنان بحجم السماء ..
دمت عزيزاٌ ..
فـــــــوز العتيبي