حضرت محاضرة لدكتور وأديب مرموق منذ ما يزيد على العشر سنين، لكن ما زالت كلماته عالقة رنانة في مخيلتي وكأني سمعتها للتو. «لو يمكنني حرق كل الدواوين والكتب التي ألفتها في مرحلة شبابي، لفعلت» قالها اعتزازاً بما وصل إليه من حكمة وتمكن في مهاراته ومواهبه لكن تسربت إلينا معانٍ خطيرة. ترددت حينها في نشر شيء ما خوفاً من الندم عليه. كل فترة كنت أعود لمقولته لأحللها.
كم من شخص انسلخ عن طفولته ناكراً لها. ناكراً لدموعه التي ذرفها، لسذاجته النابعة عن البراءة، لأسئلته الفضولية التي جعلته يستشعر ما حوله ولولاها لما فهم كثيراً من الأمور. ترى أحدهم ينكر مرحلة مراهقته بعثراتها وإنجازاتها حلوها ومرها. آخر يدفن ذكريات شبابه يخفي طيشه وينكر أخطاء ارتكبها. وذاك يصبغ شيبه يخفي عمره خشية أن يشاع عنه أنه هرم أو ضعف. كثر هم الذين لا يقتنعون بنسخة من نسخهم العمرية.
عوّد نفسك على الاحتفاظ بكل نسخة منك فيك. أرشف كل مرحلة عمرية في ذهنك. لا تفقد الطفل الذي عشعش في جوفك. ولا المراهق الذي بحث عنك حتى وجدك. تلهف لاحتضان شبابك بحرارة كلما خارت عزائمك. واحتفل بحكمة شيبك حين تقبل عليك. لا تدبر عن مراحلك العمرية خجلاً أو إنكاراً، بل استثمرها لتنعم بالوجود وينعم بك من بخيرات عمرك عليه تجود.
عد لماضيك، في حفر الإخفاقات تجد رموزاً، وعلى قمم الإنجازات كنوزاً. لذلك تنعم بمخزون ما فات حاملاً الدروس لما هو آت. كتبت في إحدى القصص التي ألفتها للطفل:
«لو لم تسأل أمسك عن خبرة
ستسقط في نفس الحفرة
لو لم تسأل غدك عن فكرة
كيف ستجد ما تبتكره؟»