في يوم من الأيام في الكلية وأنا في طريقي للمحاضرة مع صديقي اندهشت من نزيف الدم المخيف والمفاجئ في أنفه , واضطررت اسحبه لأقرب نافورة كانت موجود في الساحة لمحاولة تنظيف الجرح .
موقف مخيف، لكن ردة فعل الجمهور كانت مرعبة أكثر. مجرد نظرات من بعض المارة، بدون مبادرة أو حتى سؤال!
صديقي استعاد وضعه الطبيعي وعافيته في وقت قصير ولكن هذه الحادثة كان لها أثر كبير علي شخصيا وعلى صديقي.
هذه الحالة وضحت لي الفرق بين المجتمع السعودي والامريكي فهناك مثلا مافيه تزاحم على مثل هذه الحالات أو زي ما يحدث في العادة من التجمهر عند الحوادث , ففي حالتي وما أظهر الشعبالامريكان مبادرتهم و سرعتهم بالمساعدة والكل كان في حال نفسه رغم مشاهدتهم للموقف !
عوامل كثيرة تختلف بين الثقافات و من أهمها التوقيت والتواصل وقوة السلطة. و أهمية المجتمع بشكل عام تتفاوت بشكل كبير من ثقافة لأخرى.
دول مثل الهند والصين وإيطاليا والسعودية تعتبر من الدول الجماعية بطبيعتها . وهذا يعني أن المصلحة العامة أهم من مصلحة الفرد، و أن مصلحة الفرد من مصلحة مجتمعه.
المجاملة طبع متعارف عليه في المجتمعات الجماعية . مثلا رفض دعوة لحضور زواج أو تخرج يعد جريمة يعاقب عليها الشخص من مجتمعه بمصطلح ال”عيب” و أن تصرفه غير لائق أبدا . ودائما واجب عليك تحافظ على علاقتك بالآخرين، لهذا السبب احتفظ بتعليقاتك اذا كان من الممكن انها تتفسر بطريقة سلبية. نصيحة!
دول مثل السويد والمانيا وامريكا يغلب على ثقافتها الطابع الفردي . هويتك أمر يخصك و أنت المسؤول عن تكوين ذاتك.
لو كنت تتكلم عن كل ما يخطر ببالك حتى لو كان أمر سلبي، ينظر لها هناك على انك شخص صريح و متحلي بالصدق بينك وبين نفسك والآخرين .
وينظر للوظائف في المجتمعات الفردية على أنها مصلحة مشتركة للطرفين الموظف والشركة، وما للعائلة أي دخل في هذا الموضوع .أما المدراء في العمل، يعملوا على مبدأ إدارة أفراد بدل إدارة مجموعات .
عادة مساء الجمعة في أمريكا ممكن تستثمره بمقابلة أقرب أصحابك في كافي، موعد مع زوجتك، أو ممكن جداً تقضيه لحالك على نت فليكس!.
وقتك هو ملكك. وانت حر في اختيارك إذا كنت تبغى تقضيه لحالك أو مع أحد غيرك.
ليالي الجمعة عندنا عادة تكون جمعتها عائلية على العشاء بوجود الأطفال , وسرد القصص والنكت ومناقشة مواقف حصلت طوال أيام الأسبوع وهذا الأمر طبيعي جدا. وممكن لمّة الجمعة تتكرر ثلاث مرات في الاسبوع مو ليوم واحد فقط !
صديقي الامريكي اختار تخصصه و مهنته وهواياته بناء على قراره في اختيار الشيء اللي يناسبه وطبيعي عائلته كانت تعرف ولكن القرار في الأول والأخير كان له بدون أي ضغوط. أما بالنسبة لي اغلب القرارات المهمة في حياتي كانت تعتمد على ايش الفائدة والمضرة اللي ممكن تجنيها عائلتي واصدقائي ومجتمعي بشكل عام ونصيحتهم هي اللي يؤخذ بها في القرار الأخير والحاسم.
كشخص أتيحت له الفرصة بالعمل في امريكا والسعودية، عشت الفوارق بين هوية البلدين في أسلوب العمل وطبيعتها و لكن اخذ الكثير من وقتي!
في أمريكا المهام والمعلومات تغلب على علاقاتك، بينما في السعودية العلاقات تأتي أولاً (فيتامين واو). وعلى سبيل المثال، شهريا استقبل في الايميل الشخصي بي 4 سير ذاتية عالاقل من زملاء وأصدقاء لأقاربهم أو معارفهم للتوظيف ولمّا يجي وقت الاحتياج حتكون الأولوية لهذه الملفات المقدمة قبل البحث في خارج الشركة.
لكن إذا كنت في امريكا فالموضوع يختلف تماما! الترشيح و التقديم للوظائف يكون بآلية موحدة يتبعها الكل، و الآلية لها قواعد و ضوابط عشان تضمن توحيد الفرص و عدم التحيز لأي طرف على حساب الآخر.
السمات الثقافية مثل وجهات النظر بالضبط، لأنها تعتبر قوانين غير ظاهرة ومستحيل تنشاف بالعين المجردة. لكن بعد عدة تجارب مع مختلف القيم الثقافية ممكن تتعرف على هذه الخصائص ال”مخفية” . وبالرغم من بعض الصعوبات اللي ممكن تواجهها في التعايش مع ثقافات مختلفة، إلا إنها ممكن تكون تجربة ايجابية وناجحة اذا كنت تبحث عن الفائدة والتطوير. ليش؟ لأن التعليم بالخبرة يؤثر على توقعاتنا وتوجهاتنا وحياتنا بشكل عام.
اتمنى تكون قصتي فادتكم في التعرف على العالم الخارجي أكثر و فهّمتكم بعض قوانين اللعبة في عملية التعايش والتواصل بين المجتمعات.
